مؤمن، البالغ من العمر الآن 19 عاماً، كان من أوائل الطلاب الذين انضموا إلى مراكز جسور في البقاع بلبنان. كانت والدته فاطمة، معلمة بالمهنة، قد كرست حياتها لتعليم الأطفال في سوريا. لكن مع تصاعد النزاع، أصبح سلامة عائلتها أولويتها القصوى. وبعد إطلاق سراح ابنها البكر معاذ الذي اعتقل لستة أسابيع، أدركت أن عليهم المغادرة. فانتقلت مع زوجها وأبنائها الثلاثة - معاذ ومؤيد ومؤمن - إلى لبنان، على أمل أن تكون محطة مؤقتة حتى انتهاء الحرب.
بالنسبة لمومن الذي كان في الصف الثالث فقط آنذاك، كانت مرحلة انتقالية صعبة. "تركنَا كل شيء وراءنا"، يتذكر. "لم أفهم ما كان يحدث، لكنني شعرت أن الحياة لم تعد كما كانت". استقرت العائلة في بلدة برالياس بوادي البقاع اللبناني، حيث عملت فاطمة في التدريس لإعالة أسرتها. هناك وجد مؤمن شريان النجاة: مركز جسور التعليمي في الجراحية.
"كانت المدرسة مجرد خيمة"، يقول مومن مبتسماً. "لكنها مع ذلك كانت مدرسة مدهشة. كان المعلمون رائعين، يحاولون دائماً جذب انتباهنا من خلال الأنشطة والألعاب". سرعان ما اكتسب المركز سمعة طيبة بفضل تعليمه الجيد وبيئته الداعمة، مما دفع عائلات من المخيمات المجاورة إلى تسجيل أطفالهم بحماس.
أكثر من مجرد مدرسة
كان المركز بالنسبة لفاطمة -المعروفة بأم معاذ- أكثر من مجرد مدرسة لابنها. لقد كان مجتمعاً ومصدر دخل لها حيث عملت كمدرسة ثم كمديرة للمركز. "كنا كمعلمين عائلة واحدة"، تقول. "كنا شفافين مع بعضنا وحللنا مشاكلنا معاً". لم يوفر المركز التعليم لمومن فحسب، بل منحه أيضاً شعوراً بالاستقرار في زمن اللايقين.
تفوق مؤمن في المركز، خاصة في اللغة الإنجليزية التي أصبحت حجر الأساس لنجاحه الأكاديمي. "كان هناك تركيز كبير على الإنجليزية مما ساعدني كثيراً"، يقول. كما ترك المتطوعون الدوليون الذين ينضموا لبرنامج التطوع الصيفي مثل رافائيل من سويسرا أثراً عميقاً، حيث قام بتعليم الألمانية للطلاب المتجهين إلى ألمانيا، وهي مهارة أثبتت لاحقاً أنها لا تقدر بثمن لمومن وعائلته.
من لبنان إلى ألمانيا
في 2017، وبعد ثلاث سنوات في لبنان، اتخذت رحلة العائلة منعطفاً جديداً. حيث تمكن والد مؤمن من الوصول إلى ألمانيا واستقدام العائلة. "عندما وصلنا لبنان لم يكن هدفنا الهجرة"، توضح فاطمة. "ظننا أننا سنبقى حتى تنتهي الحرب ثم نعود. لكن الأمور ازدادت سوءاً وأدركنا أن العودة لن تكون قريبة".
كان الانتقال إلى ألمانيا مصدر ارتياح وتحدٍ في آن واحد. "المرحلة الأولى في ألمانيا كانت صعبة"، يتذكر مؤمن. "لم نكن نعرف أحداً ولا كيفية التأقلم. لكني تكيفت بسرعة وكوّنت صداقات. التحدي الرئيسي كان حاجز اللغة الذي استغرق أشهراً للتغلب عليه". ساعدته أساسيات الإنجليزية القوية التي اكتسبها في مركز جسورعلى تعلم الألمانية بسهولة أكبر.
كما يعزو مؤمن الفضل في تأقلمه للتعرف الثقافي الذي اكتسبه في جسور. "علمنا المتطوعون الأوروبيون كيفية التفاعل مع أناس من ثقافات وخلفيات مختلفة"، يقول. "مما سهل علينا التأقلم في ألمانيا".
اليوم، مومن في سنته الأخيرة بالثانوية ويحلم بأن يصبح مهندس مكانيكا. بينما أصبح أخوه الأكبر معاذ -الذي سجن في سوريا سابقاً- طبيباً في هولندا. ويدرس أخوه الآخر مؤيد الهندسة الميكانيكية. لقد حملت مرونة العائلة وتصميمها أعضائها عبر تحديات لا تُصدق.
مستقبل سوريا
ما زال حلم العودة إلى سوريا حياً لدى فاطمة، لكنها تعلم أن ذلك يحتاج وقتاً. "أردت العودة فوراً عندما سمعت نبأ هروب الأسد"، تقول. "لكنني لم أستطع لأن مؤمن يحتاج إنهاء دراسته هنا. سيكون أكثر فائدة لسوريا عندما يحصل على شهادته الجامعية".
يتشارك مؤمن أمله مع والدته لمستقبل سوريا، لكنه يقر بتعقيدات رحلته الشخصية. "عشت معظم حياتي في ألمانيا، لذا لا أستطيع تخيل العودة إلى سوريا الآن"، يقول. "لكني أرغب في المساهمة في تنمية سوريا بعد التخرج وبناء نفسي".
قصة مؤمن شهادة على قوة التعليم والمرونة والمجتمع. من مدرسة خيمة في لبنان إلى حافة مستقبل واعد في ألمانيا، تعكس رحلته قوة عائلة مصممة على إعادة بناء حياتها والمساهمة في عالم أفضل.
كما تلخص أم معاذ: "علينا أن نثبت أنفسنا أولاً لنتمكن من العودة وإعادة البناء". وبفضل تصميم مومن ودعم منظمات مثل جسور، يبدو هذا الحلم في متناول اليد.